[ «أى» الموصولة، و متى تبنى؟ و متى تعرب؟]
و غيّرنى ما غال قيسا و مالكا و عمرا و حجرا بالمشقّر ألمعا

«32»-
من لا يزال شاكرا على المعه‏ فهو حر بعيشة ذات سعه‏

***______________________________
منها و أنكى؛ فهو تخلص من ضرورة إلى ضرورة أصعب منها مخلصا و أعسر نجاء.
و لا يشك أحد أن هذا الحذف بجميع أنواعه التى ذكروها من الضرورات التى لا بسوغ القياس عليها، و لذلك استبعد كثير تخريج الآية الكريمة التى تلوناها أولا على هذا الوجه كما استبعد كثيرون تخريجها على أن «الذى» موصول حرفى.
(32)- و هذا البيت- أيضا- من الشواهد التى لم ينسبوها إلى قائل معين.
اللغة: «المعه» يريد الذى معه «حر» حقيق، و جدير، و لائق، و مستحق «سعة» بفتح السين، و قد تكسر- اتساع و رفاهية و رغد.
المعنى: من كان دائم الشكر للّه تعالى على ما هو فيه من خبر فإنه يستحق الزيادة و رغد العيش، و هو مأخوذ من قوله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).
الإعراب: «من» اسم موصول مبتدأ «لا يزال» فعل مضارع ناقص، و اسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المبتدأ «شاكرا» خبر لا يزال، و الجملة من يزال و اسمه و خبره لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «على» حرف جر «المعه» هو عبارة عن «أل» الموصولة بمعنى الذى، و هى مجرورة المحل بعلى، و الجار و المجرور متعلق بشاكر، و مع: ظرف متعلق بمحذوف واقع صلة لأل، و مع مضاف و الضمير مضاف إليه «فهو حر» الفاء زائدة، و «هو» ضمير منفصل مبتدأ، و «حر» خبره، و الجملة منهما فى محل رفع خبر المبتدأ، و هو «من» فى أول البيت، و دخلت الفاء على جملة الخبر لشبه المبتدأ بالشرط «بعيشة» جار و مجرور متعلق بقوله «حر» الرافع خبرا لهو «ذات» صفة لعيشة، و ذات مضاف و «سعة» مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة، و لكنه سكنه للوقف.
الشاهد فيه: قوله «المعه» حيث جاء بصلة «أل» ظرفا، و هو شاذ على خلاف القياس.
و مثل هذا البيت- فى وصل أل بالظرف شذوذا- قول الآخر:-
شرح ابن عقيل، ج‏1، ص: 161
أىّ كما، و أعربت ما لم تضف‏ و صدر وصلها ضمير انحذف‏ «1»

يعنى أن «أيا» مثل «ما» فى أنها تكون بلفظ واحد: للمذكر، و المؤنث- مفردا كان، أو مثنى، أو مجموعا- نحو: «يعجبنى أيّهم هو قائم».
ثم إن «أيا» لها أربعة أحوال؛ أحدها: أن تضاف و يذكر صدر صلتها، نحو: «يعجبنى أيّهم هو قائم» الثانى: أن لا تضاف و لا يذكر صدر صلتها، نحو: «يعجبنى أىّ قائم» الثالث: أن لا تضاف و يذكر صدر صلتها، نحو:
«يعجبنى أىّ هو قائم» و فى هذه الأحوال الثلاثة تكون معربة بالحركات الثلاث، نحو: «يعجبنى أيّهم هو قائم، و رأيت أيّهم هو قائم، و مررت بأيّهم هو قائم» و كذلك: «أىّ قائم، و أيّا قائم، و أىّ قائم» و كذا، «أىّ‏
______________________________
-
و غيّرنى ما غال قيسا و مالكا و عمرا و حجرا بالمشقّر ألمعا

يريد: الذين معه، فاستعمل أل موصولة بمعنى الذين، و هو أمر لا شى‏ء فيه، و أنى بصلتها ظرفا، و هو شاذ؛ فإن أل بجميع ضروبها و أنواعها مختصة بالأسماء؛ و قال الكسائى فى هذا البيت: إن الشاعر يريد «معا» فزاد أل‏
(1) «أى» مبتدأ «كما» جار و مجرور متعلق بمحذوف خبر «و أعربت» الواو عاطفة، أعرب: فعل ماض مبنى للمجهول، و التاء تاء التأنيث، و نائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على «أى» «ما» مصدرية ظرفية «لم» حرف نفى و جزم «تضف» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم، و نائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على «أى» «و صدر» الواو واو الحال، صدر: مبتدأ، و صدر مضاف و وصل من «وصلها» مضاف إليه، و وصل مضاف و الضمير مضاف إليه «ضمير» خبر المبتدأ و الجملة من المبتدأ و الخبر فى محل نصب حال صاحبه الضمير المستتر فى تضف العائد على أى «انحذف» فعل ماض، و فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ضمير» و التقدير: أى مثل ما- فى كونها موصولا صالحا لكل واحد من المفرد و المثنى و الجمع مذكرا كان أو مؤنثا- و أعربت هذه الكلمة مدة عدم إضافتها فى حال كون صدر صلتها ضميرا محذوفا.
شرح ابن عقيل، ج‏1، ص: 162
هو قائم، و أيا هو قائم، و أىّ هو قائم» الرابع، أن تضاف و يحذف صدر الصلة، نحو: «يعجبنى أيّهم قائم» ففى هذه الحالة تبنى على الضم؛ فتقول: «يعجبنى أيّهم قائم، و رأيت أيّهم قائم، و مررت يأيّهم قائم» و عليه قوله تعالى: (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) و قول الشاعر:
«33»-
إذا ما لقيت بنى مالك‏ فسلّم على أيّهم أفضل‏

______________________________
(33)- هذا البيت ينسب لغسان بن وعلة أحد الشعراء المخضرمين من بنى مرة بن عباد، و أنشده أبو عمرو الشيبانى فى كتاب الحروف، و ابن الأنبارى فى كتاب الإنصاف، و قال قبل إنشاده: «حكى أبو عمرو الشيبانى عن غسان- و هو أحد من تؤخذ عنهم اللغة من العرب- أنه أنشد» و ذكر البيت.
الإعراب: «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «ما» زائدة «لقيت» فعل و فاعل، و الجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها، و هى جملة الشرط «بنى» مفعول به للقى، و بنى مضاف و «مالك» مضاف إليه «فسلم» الفاء داخلة فى جواب الشرط، و سلم: فعل أمر، و فاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «على» حرف جر «أيهم» يروى بضم «أى» و بجره، و هو اسم موصول على الحالين؛ فعلى الضم هو مبنى، و هو الأكثر فى مثل هذه الحالة، و على الجر هو معرب بالكسرة الظاهرة، و على الحالين هو مضاف و الضمير مضاف إليه «أفضل» خبر لمبتدأ محذوف، و التقدير: هو أفضل، و الجملة من المبتدأ و خبره لا محل لها صلة الموصول الذى هو أى.
الشاهد فيه: قوله «أيهم أفضل» حيث أتى بأى مبنيا على الضم- على الرواية المشهورة الكثيرة الدوران على ألسنة الرواة- لكونه مضافا، و قد حذف صدر صلته و هو المبتدأ الذى قدرناه فى إعراب البيت، و هذا هو مذهب سيبويه و جماعة من البصريين فى هذه الكلمة: يذهبون إلى أنها تأتى موصولة، و تكون مبنية إذا اجتمع فيها أمران؛ أحدهما أن تكون مضافة لفظا، و الثانى: أن يكون صدر صلتها محذوفا؛ فإذا لم تكن مضافة أصلا، أو كانت مضافة لكن ذكر صدر صلتها؛ فإنها تكون معربة، و ذهب الخليل بن أحمد و يونس بن حبيب- و هما شيخان من شيوخ سيبويه- إلى أن-
شرح ابن عقيل، ج‏1، ص: 163
و هذا مستفاد من قوله: «و أعربت ما لم تضف- إلى آخر البيت» أى: و أعربت أىّ إذا لم تضف فى حالة حذف صدر الصلة؛ فدخل فى هذه الأحوال الثلاثة السابقة، و هى ما إذا أضيفت و ذكر صدر الصلة، أو لم تضف و لم يذكر صدر الصلة، أو لم تضف و ذكر صدر الصلة، و خرج الحالة الرابعة، و هى: ما إذا أضيفت و حذف صدر الصلة، فإنها لا تعرب حينئذ.